طريقة فسخ العقد وأثاره في القانون المدني الجزائري

القائمة الرئيسية

الصفحات

طريقة فسخ العقد وأثاره في القانون المدني الجزائري

طريقة فسخ العقد وأثاره في القانون المدني الجزائري



      يعتبر الإنسان إجتماعي بطبعه ، يحتاج إلى غيره من أجل إشباع حاجياته اليومية ، مما جعله يحتك بغيره من أفراد مجتمعه للعيش معهم ، فبتالي تتعدد المعاملات التي تجمعهم تحت حماية القانون .
  يسعى الفرد إلى تحقيق مصالحه الشخصية  من خلال إبرام عقود مختلفة في مختلف المجالات مع أطراف أخرى  ، مما يجعل العقد ملزم للطرفين . فبتالي إذا أخل  أحد المتعاقدين بإلتزاماته ينتج جزاءات على عاتق  هذا الأخير كالتعويض أو البطلان أو الفسخ .(والفسخ هو موضوع محل الدراسة ) .
إن فسخ العقد من الجزاءات التي تقع عند الإخلال بالإلتزامات التعاقدية وهو فك الرابطة القانونية التي تجمع المتعاقدين ، 
ونظرا لمدى أهمية هذا الموضوع إرتاينا إلى طرح الإشكالية التالية :  كيف يتم فسخ العقد ؟؟ .



فسخ العقد حسب القانون المدني الجزائري



 أولا : مفهوم فسخ العقد 


  فسخ العقد من الجزاءات المترتبة عن الإخلال بالإلتزامات التعاقدية ، فبمجرد إبرام عقد صحيح مستوفيا لجميع الشروط و الأركان ينتج إلتزامات على عاتق كل من الطرفين مما يستدعي ضرورة تنفيذها ، أما في حالة الإخلال بها فإنه يحق للمضرور فسخ هذا العقد . 
 

1)  تعريف فسخ العقد 

 
 فسخ العقد هو الوسيلة التي تؤدي إلى إنهاء العقد  .
    
يعتبر الفسخ كجزاء لعدم تنفيذ أحد الأطراف لإلتزاماته التعاقدية  وهو إنحلال الرابطة التعاقدية و إلغائها و الرجوع إلى الحالة التي كان عليها المتعاقدين قبل إبرام العقد . (كأن العقد لم يكون ) 
 

2) شروط فسخ العقد  


 لفسخ العقد لابد من توفر الشروط التالية :

1- أن يكون العقد محل الفسخ ملزم للجانبين 


 يجب أن يكون العقد المراد فسخه ملزم للجانبين ، بحيث تقع الإلتزامات التعاقدية على عاتق كل الأطراف المتعاقدة ، إذ لايمكن أن يفسخ العقد الملزم لطرف واحد ،   و هذا ما نصت عليه المادة 119 من القانون المدني الجزائري :" في العقود الملزمة للجانبين ، إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الأخر بعد إعذار المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو فسخه ... " . 

2- عدم وفاء أحد المتعاقدين بالتزامه 


 لكي يتم فسخ العقد يجب أن يكون أحد الأطراف قد أخل بالتزامه  ولم يوف به إما كليا أو جزئيا أو يكون قد تأخر في التنفيذ .

3- وفاء طالب الفسخ بإلتزامه 

  
 على طالب الفسخ أن يكون قد وفى بإلتزاماته أو مستعدا على الأقل بالوفاء حتى يكون له الحق في طلب الفسخ ، لأنه من غير المعقول أن يطلب الطرف فسخ العقد إذا كان هو مثل الطرف الأخرلم يوفي بإلتزامه  .

 

3)  أنواع فسخ العقد 

 
 تتعدد أنواع فسخ العقد حسب الظروف التي يمر بها هذا الأخير فقد يكون الفسخ بإتفاق الأطراف المتعاقدة  وقد يتم الفسخ باللجوء إلى القضاء  أو يتم الفسخ بطريقة قانونية بمجرد إستحالة التنفيذ .

1-   الفسخ الإتفاقي 


  نصت المادة 120 من القانون السالف الذكر على هذا النوع من الفسخ :  بحيث " يجوز الاتفاق على أن يعتبر العقد مفسوخا بحكم القانون عند عدم الوفاء بالالتزامات الناشئة عنه بمجرد تحقيق الشروط المتفق عليها و بدون حاجة  إلى حكم قضائي .
وهذا الشرط لا يعفى من الاعذار الذي يحدد حسب العرف عند عدم تحديده من طرف المتعاقدين ." 
  
من خلال نص هذه المادة نجد أن العقد يصبح مفسوخا بمجرد عدم الوفاء بالإلتزامات من طرف أصحاب العقد كما يستوجب إعذار الطرف الأخر حتى ولو كان هذا الفسخ إتفاقي . 

 

2-  الفسخ القضائي 


  في حالة ما إذا تماطل (تقاعس ) المدين عن تنفيذ إلتزاماته بعد إعذاره من طرف الدائن فإن القاضي يحكم بفسخ العقد  ، و إذا تبين عسر المدين يمنح له القاضي مهلة لتنفيذ إلتزامه مع مراعاة عدم إلحاق أي ضرر بالدائن من هذه المهلة . 
  وهذا ما نصت عليه المادة 119 من القانون السابق الذكر :" في العقود الملزمة للجانبين ، إذا لم يوف أحد المتعاقدين بالتزامه جاز للمتعاقد الأخر بعد إعذار المدين أن يطالب بتنفيذ العقد أو فسخه ، مع التعويض في الحالتين إذا اقتضى الحال ذلك .

  ويجوز للقاضي أن يمنح المدين أجلا حسب الظروف ، كما يجوز له أن يرفض الفسخ إذا كان لم يوف به المدين قليل الأهمية بالنسبة إلى كامل الالتزامات ." 

- في حالة فسخ العقد يتم إعادة الحالة إلى ما كانت عليها سابقا قبل ابرام العقد ( وهذا ما يسمى بالأثر الرجعي ) وفي حالة ما استحالة الرجوع وجب تقديم التعويض من طرف المدين للدائن ( وهو عبارة عن مبلغ مالي يمنح من أجل جبر الضرر الذي لحق بالطرف الأخر يتم تقديره من طرف القاضي .)  و هذا ما أكدته المادة 122 من نفس القانون :" إذا فسخ العقد أعيد المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل العقد ، فإذا استحال ذلك جاز للمحكمة أن تحكم بالتعويض ." 



3-  الفسخ القانوني 

 
 إن فسخ العقد بقوة القانون مرتبط بعنصر الإستحالة  وبهذا ينحل العقد دون الحاجة إلى تدخل القضاء و دون الحاجة إلى الإعذار أو رفع دعوى طلب الفسخ ،  فالإستحالة في هذه الحالة راجعة إلى سبب أجنبي لا يد للمدين فيه ويقع عبئ الإثبات على عاتق هذا الأخير . 

نجد المادة 121 من القانون المدني الجزائري نصت على الفسخ القانوني إذ يكون :" في العقود الملزمة للجانبين إذا انقضى التزام بسبب استحالة تنفيذه انقضت معه الالتزامات المقابلة له وينفسخ العقد بحكم القانون ." 


ثانيا :  إستعمال فسخ العقد وأثاره 


  يعتبر فسخ العقد من حق المتعاقد المضرور ، ويتحقق عند عدم وفاء المتعاقد الأخر بإلتزاماته ، لذا وضع المشرع الجزائري طريقة إستعمال هذا الحق  لجبر الضرر عنه وبين الأثار المترتبة عن هذا الفسخ .

1)  إستعمال فسخ العقد 

  
  وجب على الدائن من أجل الحصول  على حقه في فسخ العقد أن يقوم بإعذار المدين بالطريقة التي تلائمه  وبعدها رفع دعوى قضائية في حالة عدم التنفيذ .
 

1-  الإعذار 

  
يمتاز الإعذار بأهمية بالغة ، إذ يعد ملزما من أجل استفاء المتعاقد ( الدائن ) حقه في التعويض ، و هذا ما أكدته  المادة 179 من القانون السابق  التي تنص على أنه :" لا يستحق التعويض إلا بعد إعذار المدين ما لم يوجد نص مخالف لذلك ." 

فعلى المتعاقد أن  يقوم بإعذارالمتعاقد الأخر( المدين ) قبل رفع دعوى فسخ العقد  ، لأن الإعذار يحقق عنصر العلم لدى المتعاقد الأخر (المدين) بضرورة تنفيذ ما على عاتقه من إلتزامات  ، ويتم الإعذار عن طريق البريد أو المحضر القضائي أو بالطريقة التي يراها المتعاقد (الدائن ) مناسبة لذلك  .

نصت المادة 180 من القانون المدني الجزائري على أنه يمكن أن  :" يكون  إعذار المدين بإنذاره ، أو بما يقوم الإنذار ، ويجوز أن يتم الإعذار عن طريق البريد على الوجه المبين في هذا القانون ، كما يجوز أن يكون مترتباعلى إتفاق  يقضي بأن يكون المدين معذرا بمجرد حلول الأجل دون الحاجة إلى إجراء أخر ."
فالإعذار يعطي القوة القانونية لدعوى فسخ العقد عند رفعها . ولا يعفى من هذا الإجراء إلا في الحالات المنصوص عليها في المادة 181 من نفس القانون المتمثلة في : 
                                     - إذا تعذر تنفيذ الالتزام أو أصبح غير مجد بفعل المدين .
                                     - إذا كان محل الالتزام تعويضا ترتب عن عمل مضر 
                                     - إذا كان محل الالتزام رد شيء يعلم المدين أنه مسروق أوشيء تسلمه دون حق وهو عالم بذلك. 
                                     - إذا صرح المدين كتابة أنه لا ينوي تنفيذ التزامه " . 

 

2-  رفع دعوى فسخ العقد 

 
 يحق للمتعاقد (الدائن ) أن يقوم برفع دعوى قضائية يطالب فيها بفسخ العقد  بعدما أعذر المتعاقد الأخر ( المدين ) ولم يقم بأية إستجابة. فالإعذار لا يكفي وحده لفسخ العقد بل لابد من هذا الإجراء لأنه يحمي حق الدائن من الضياع ،
  يمكن للدائن العدول عن رفع الدعوى قبل إصدار الحكم النهائي  ، كما يمكن للمدين المبادرة بتنفيذ التزاماته قبل صدور الحكم النهائي أيضا . للقاضي سلطة تقديرية في منح مهلة للمدين حسب الظروف . 
 

2)  أثار فسخ العقد 

 
 عند فسخ العقد يترتب أثار قانونية ، بعضها تتعلق بالمتعاقدين  وبعضها الأخر ترتبط بالغير  .
 

1-  أثار الفسخ بالنسبة للمتعاقدين 

 
 ينتج فسخ العقد أثر بالنسبة للمتعاقدين بحيث يتم إرجاع الحالة إلى ماكانت عليها قبل إبرام العقد ، ففي حالة ما إذا كان العقد يتمحور حول البيع مثلا فإن المشتري يرجع المبيع للبائع و البائع يرجع له الثمن . 
وفي حالة ما إذا تغيرت الأسعار في الأسواق بإنخفاضها  خلال الفترة التي بقي المبيع في يد المشتري جاز للبائع  مطالبة المشتري بالمبلغ الإيضافي لجبر الضرر الذي لحقه .
أما إذا تعذر الرجوع إلى الحالة الأولى قبل إبرام العقد وبتالي استحالة استرجاع السلعة فإن القاضي يحكم بالتعويض لصالح المضرور طبقا لنص المادة 122 السالفة الذكر . 


2-  أثار الفسخ بالنسبة للغير 


  لا يسري أثار فسخ العقد على المتعاقدين فقط ، بل يسري كذلك في  حق الغير، فإذا مثلا تعلق العقد بعقد البيع فإن البائع له الحق في استرجاع مبيعه حتى ولو كان المشتري قد باعها لشخص أخر، فللمشتري الثاني أن يرجع المبيع للبائع لان العقد قد تم فسخه وهذا ما يسمى بالأثر الرجعي لفسخ العقد .فبتالي تزول جميع الحقوق التي تقع على المبيع كحق الانتفاع. وعلى الدائن الذي تقرر الفسخ لصالحه أن يقوم بشهر دعوى الفسخ ( الحكم ) وفقا لقوعد الشهر العقاري . 

يمكن لحق الغير أن يكون قائما ولا يتأثر بدعوى الفسخ في الحالات التالية :

- في حالة ما إذا كان الغير اكتسب حقا عينا على منقول أو عقار بحسن نية وتم شهره حسب القانون .
- في حالة ما إذا ترتب للغير الرهن الرسمي وتم قيده قبل رفع دعوى الفسخ .
- في حالة اكتساب الغير للحق بحسن النية من عقود الإدارة .
 - في حالة  اكتساب الغير للحق  بالتقادم المكسب  .

كل هذا لا يعني أن حق الدائن ضائع لأن القانون حفظ له حقه وفقا للمادة  122 من القانون المدني الجزائري السابق الذكر . 



      في الأخير نستنتج أن العقد الملزم للجانبين يستوجب تنفيذه وفقا الأجل المحدد من طرف الأطراف المتعاقدة لأن هذا هو الهدف  منه ، ولكن في بعض الأحيان يتماطل أحد المتعاقدين أو يحصل ظرف قهري خارج عن السيطرة  مما يجعل العقد غير قابل للتنفيذ ، ففي هذه الحالة منح المشرع الجزائري حق طلب فسخ العقد والرجوع إلى الحالة الأولى قبل إبرام العقد ( في حالة ما إذا كان المدين هو السبب) أو الحكم بالتعويض لصالح المضرور بعد رفع دعوى قضائية  بتوافر عنصر استحالة تنفيذ العقد لأسباب لا غنى عنها .




Réactions :

تعليقات