مبدأ تأويل العقد من طرف القاضي

القائمة الرئيسية

الصفحات

مبدأ تأويل العقد من طرف القاضي

مبدأ تأويل العقد من طرف القاضي



 إن عملية تأويل العقد بالغة الأهمية وهي من مهمة القاضي إذ يقوم  بتفسيرشروط العقد في حالة وجود أي غموض . 



مبدأ تفسير العقد من طرف القاضي



أولا : تعريف مبدأ تأويل العقد 


مبدأ تأويل العقد هو " عملية تحليل العقد أو تفسيره يقوم بها القاضي من خلال الرجوع إلى مرحلة تكوين العقد ليستنتج ما انصرفت إليه إرادة المتعاقدين ، بغض النظر عن الإرادة الباطنة أو الظاهرة . " 

تأويل العقد = تفسير العقد = تحليل العقد ، والمشرع الجزائري إستعمل مصطلح " تأويل العقد " .

 تكمن القاعدة الجوهرية  في تأويل العقد من خلال تحديد معنى النصوص الواردة فيه وبيان مدلولها وبتالي إستخراج الإرادة المشتركة بين أطراف العقد  . 

الحالات التي لا يجب فيها تأويل العقد 


- في حالة ما إذا كانت عبارات العقد واضحة لا تدعوا إلى أي شك . 
- في حالة تطابق إرادة المتعاقدين ووضوحها من خلال التعبير عنها بشتى طرق التعبير طبقا لنص المادة 60 من القانون المدني الجزائري . 
- بما أن العقد شريعة المتعاقدين فإنه لا يجوز على القاضي التدخل في تعديل أو إلغاء العقد إحتراما لمبدأ سلطان الإرادة . 

ثانيا : الأسباب التي تؤدي بالقاضي إلى تأويل العقد 

وتتمثل هذه الأسباب في : 

- 1 - غموض عبارات العقد 


هو إحتواء العقد على عبارات غامضة ، بحيث يسيء المتعاقدين إستخدامها لتعبيرعن إرادتهم الحقيقية ، إذ قد تكون لتلك العبارات أكثر من معنى تختلف من عقد لأخر ، مما يؤدي إلى صعوبة معرفة المقصود منها ، كما قد يكون التعبير القانوني في غير مكانه الصحيح .

- 2 - تحميل عبارات العقد أكثر من دلالة 


هي عبارات تحمل في فحواها أكثر من معنى واحد ، بحيث لا تظهر إرادة المتعاقدين . وفي هذه الحالة يستحسن الأخذ بالدلالة الإيجابة للعقد .

- 3 - حالة تعديل بنود العقد 


في حالة ما إذا تم تعديل بنود العقد وكان موضوعها محل التأويل ، فإن القاضي يرجع إلى مضمونه  ودراسته من جديد . 

ثالثا : المعايير الأساسية  التي يجب الوقوف عندها لتأويل العقد 


نصت المادة 111 فقرة 2 من القانون المدني على أنه " إذا كان هناك محل لتأويل العقد ، فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف عند المعنى الحرفي للألفاظ مع الإستهداء في ذلك بطبيعة التعامل ، وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين ، وفقا للعرف الجاري في المعاملات . " 

إن لجوء القاضي لتأويل العقد هو التعرف على الإرادة  المشتركة للمتعاقدين  من خلال الوقوف على المعايير التالية : 

- 1 - طبيعة التعامل 


تكمن طبيعة التعامل في طبيعة العقد وموضوعه ، بحيث يخضع العقد للقواعد التي تقتضيه طبيعته ، مــثل : عقد البيع ، يفسرهذا العقد طبقا للقواعد المنصوص عليه في القانون المدني ا لجزائري . 

- 2 - الأمانة والثقة 


في كل العقود التي يبرمها الأطراف يجب أن يتحلو بالأمانة والثقة . فعند تأويل العقد يقوم القاضي بالبحث عن النية المشتركة للمتعاقدين ، ويستنتج منها مدى توافر الأمانة والثقة بينهما ، ففي حالة وجود خطأ في عبارات العقد فإن الأمانة تقضي بعدم إستغلال هذا الخطأ ، بل يجب الأخذ بالمعنى الحقيقي المراد من التعبير ، طالما أنه يمكن لأحد الأطراف إدراك هذا الخطأ أو بإمكانه ذلك . 

أما  الثقة فهو الإمتناع عن استعمال الحيل والخداع في المعاملات وفي عبارات العقد ، بل يجب التعاون بين أطراف العقد على إنشاء عقد صحيح . 

- 3 - النية 


يجب أن يكون المتعاقدين حسن النية من بداية إبرام العقد وتكوينه إلى غاية إتمام الإلتزامات ، فمبدأ حسن النية عامل مهم في تطوير العقود بمختلف أنواعها ، والقاضي يسعى إلى بيان نوع نية المتعاقدين من خلال تأويل العقد  . 

- 4 - العرف 


العرف هو مصدر إحتياطي في القانون ، يلجأ إليه القاضي في حالة إنعدام نص صريح حول موضوع ما ، فهو لا يطبق إلا في حالة غياب النص القانوني .
إن العرف لا يكمل إرادة المتعاقدين  ، لذا نجد الشروط المألوفة في التعامل تضاف إلى العقد دون الحاجة إلى نص صريح . فأهمية العرف تظهر في القضايا التجارية وكل المعاملات التجارية ، بحيث يتوجب على القاضي عند تحديد أثارالعمل التجاري أن يطبق العرف المعمول به . 

رابعا : مجال تأويل بعض العقود 


للقضاء دور كبير في تفسير بعض العقود ، ومن بينها عقد الإذعان ، عقد البيع ، عقد التأمين . 

- 1 - عقد الإذعان 


يعرف عقد الإذعان على أنه " ذلك العقد الذي بموجبه يحدد الطرف شروط محددة وما على الطرف الثاني إلا القبول أو الرفض ، لأن الشروط التي وضعها الطرف الأول غير قابلة للتعديل أو المناقشة . " مـــثال : خدمة سونلغاز . 

عرف المشرع الجزائري هذا العقد بموجب المادة 3 حالة 4 من قانون 04-02 المطبق على الممارسات التجارية بأنه " كل إتفاق أو إتفاقية تهدف إلى بيع سلعة أو تأدية خدمة ، حرر مسبقا من أحد أطراف الإتفاق ، مع إذعان الطرف الأخر ، بحيث لا يمكن لهذا الأخير إحداث تغيير حقيقي فيه . " 

 كيفية تأويل عقد الإذعان من طرف قاضي الموضوع 


 تفسير الشك لصالح الطرف المذعن وهو الطرف الضعيف في هذا العقد ، ففي حالة : 

- وجود عبارات غامضة تعذر القاضي للوصول إلى تحديد نية المتعاقيدن مما يحدث خلل في إختيار المعنى الذي تحمله العبارة 

- إذا توصل القاضي إلى إكتشاف نية المتعاقدين وجب عليه تأويل العقد لصالح المدين ، لأن الدائن هو الطرف القوي في العقد وهو الذي يضع الشروط  فمن المفترض تأويل العقد لصالحه ولكن في عقود الإذعان يراعي القاضي مركز المذعن بالدرجة الأولى .

- في عقود الإذعان لا يمكن للمذعن أخذ بعض الشروط  و ترك بعضها الأخر . 

- في العقد الملزم للجانبين فإن القاضي يفسر العقد لصالح الطرف المضرور ، سواء كان دائن أو مدين . 

- إذا تضمن عقد الإذعان شروط تعسفية ، جاز للقاضي تعديل هذه الشروط أو إعفاء الطرف المذعن منها ، وذلك بعد طلب المذعن الحماية من هذه الشروط . 

- 2 - عقد البيع  


يعتبر عقد البيع من بين العقود الخاصة التي إهتم بها المشرع الجزائري ونظم أحكامه في القانون المدني . 
( ليس هناك أيه مادة قانونية واضحة في مجال تأويل عقد البيع ) . 

عرف المشرع الجزائري عقد اللبيع في المادة 351 من القانون المدني الجزائري " البيع عقد يلزم بمقتضاه البائع أن ينقل للمشتري ملكية شيء أوحقا ماليا أخر في مقابل ثمن نقدي " .

نظرا لتطورات التي عرفتها مادة البيع ظهرت إلتزامات جديدة على عاتق البائع وهي الإلتزام بالإعلام . 

- على حسب القانون الفرنسي ، فإن عقد البيع يفسر لصالح المشتري ، لأن البائع هو من يحرر العقد وهوالملزم بإعلام المشتري بمميزات و مخاطر المبيع . وعليه يراعي القاضي مصلحة المشتري . 

- يجب أن يكون البائع واضح في عقد البيع ، وذلك بإستعمال عبارات واضحة ليس فيها أي غموض أو شك ، كي لا يفسر العقد ضده . 

- يفرض القانون في بيع العقارات اجراءات الشهر والتسجيل وغيرها من أجل نقل الملكية ، ونظرا للوقت الذي تأخذه هذه الإجراءات فإن القانون سمح للمتعاقدين بتحريرعقد إبتدائي يكون منتج لأثره صالح للشهرإلى حين تحريرالعقد النهائي . 

- في حالة وجود شروط في العقد الإبتدائي لادعي منها فإنه يمكن للمتعاقدين تفاديها في العقد النهائي ، وعليه فإن العقد النهائي يحجب العقد الإبتدائي ويكون هو المعمول به لإستخلاص نية المتعاقدين . 

 إلتزامات البائع 

- يجب أن يكون البائع على علم بعدم وجوب أي عيب في المبيع . 
- يلزم البائع بإخطار المشتري بالعيوب الموجودة في المبيع أو العيوب التي قد تطرأ عليه لاحقا . 
- يقع على عاتق البائع إعلام المشتري بكيفية إستعمال المنتوج . ( ذلك إما بلصق ورقة الإعلام على علبة التضويب ، أو بتقديم إرشادات شفاهية للمشتري ) .  

- 3 - عقد التأمين 

عرف المشرع الجزائري عقد التأمين في المادة 619 من القانون المدني فهو " عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلى المؤمن له أو إلى المستفيد الذي إشترط التأمين لصالحه ، مبلغا من المال أو إيرادا أو أي عوض مالي أخر ، في حالة وقوع الحادث أو تحقق الخطر المبين بالعقد ، وذلك مقابل قسط أو أية دفعة مالية أخري يؤديها المؤمن له للمؤمن " . 

من خلال إستقراء هذه المادة يتضح أن أطراف عقد التأمين ثلاثة وهم المؤمن / المؤمن له / المستفيد . 

المؤمن : هو إحدى شركة التأمين أو الجمعيات التعاونية للتأمين ، ويتم إبرام العقد عادة من خلال وسيط إما أن يكون وكيلا مفوضا أو مندوبا .

المؤمن له : يمكن أن يبرم العقد بنفسه أو بواسطة من ينوب عنه نيابة قانونية أو إتفاقية ، وهنا تنصرف أثار العقد مباشرة إلى الأصيل طبقا للقواعد العامة .
يكفي في من يبرم عقد التأمين توافر أهلية كاملة لمباشرة هذا العقد لأن التأمين من التصرفات الدائرة بين النفع والضرر . 

المستفيد : هو من يقبض مبلغ التأمين من شركة التأمين عند حدوث الخطر . 

لإبرام عقد التأمين يجب أن يكون المؤمن والمؤمن له حسن النية ، وذلك بالإدلاء بالبيانات الصحيحة  بدون أي كذب من طرف المؤمن للمؤمن له ، فكل كذب بشأن البيانات يؤدي إلى ابطال عقد التأمين من طرف المؤمن . 

- يجب على المؤمن له أن يأخذ الإحتياطات اللازمة لمنع حدوث الخطر أو على الأقل التقليل من أضراره . 

- لا يجب أن تتعدد التأمينات على شيء واحد وضد نفس المخاطر من أجل الحصول على الزيادة في مبلغ التأمين ، فيجوز طلب إبطال هذه العقود من طرف المؤمن . 

- عقد التأمين من عقود الإذعان لأن المؤمن يضع الشروط في ورقة مطبوعة موثوقة  وما على المؤمن له إلا الموافقة أو الرفض ، 

- يتم تأويل عقد التأمين لصالح المؤمن له كونه الطرف الضعيف في العقد . 

- في حالة وجود شروط غامضة فإن المؤمن يتحمل المسؤولية لأنه هو من أعادها . 

- في حالة وجود تعارض بين نسخة العقد الموجودة في يد المؤمن له والنسخة الموجودة في يد المؤمن فإن القاضي يأخذ بالنسخة الموجودة عند المؤمن له  وتكون حجة على المؤمن لأنه هو من حررها . 

خامسا : أثار تأويل العقد 


بعد عملية تفسير العقد يلجأ القاضي إلى عملية تكييف العقد ، فعملية تأويل العقد وعملية تكييفه عمليتان  متكاملتان ، إذ لا يمكن تكييف العقد إلا بعد تفسيره . 

تعريف عملية تكييف العقد 


هو "  هي إعطاء الوصف القانوني للعقد الذي يحدد مقاصد طرفي  العقد ، إذ يجب أن تكون مقاصد الطرفي بينة لإستخلاص الطبيعة  القانونية للإتفاق المبرم بين المتعاقدين " . 

إذا عملية التكييف تؤدي إلى تحديد طبيعة العقد ونوعه مع تعيين قواعد الواجب  التطبيق  .  

مـــثال : عقد البيع ( طبيعة العقد ) من العقود المسماة لأن المشرع الجزائري نظم أحكامه في القانون المدني الجزائري ( نوعه : من العقود المسماة ) .  

- عند عرض النزاع أما القاضي يقوم بتكييف العقد من تلقاء نفسه دون الطلب من الخصوم ، ففي حالة ما إذا كانت أثار العقد متعارضة مع مقاصد المتعاقدين ، فإنه يقوم بتصحيح تسمية العقد من تلقاء نفسه . 

مـــثـــال : قد يتعاقد الطرفين على إيجار محل ( فهذا هو مقصود المتعاقدين ) لكن يتبين للقاضي أن العقد هو عقد بيع محل ، في هذه الحالة يقوم بتصحيح تسمية العقد من عقد بيع المحل إلى عقد إيجار المحل لأن هذا هو المقصود من العقد . 

- يكشف القاضي نية المتعاقدين من خلال دراسة الوقائع الثابة في الدعوى وما تم إدراجه في العقد . 

- في حالة ما إذا كانت عبارات العقد واضحة لا يجوز للقاضي الإنحراف عن هذا الوضوح بحجة تأويل العقد إلا في حالة ما إذا كانت العبارات لا تعبر عن مقاصد المتعاقدين رغم وضوحها ، فيمكن العدول عن المعنى الظاهر إلى المعنى المقصود ، شرط بيان أسباب العدول ، فبتالي يخضع القاضي لرقابة الجهة العليا . 

- في حالة عدم تطرق المتعاقدين إلى المسائل التفصيلية عند إبرام العقد ، أو تركت هذه المسائل إلى وقت لاحق وجب على القاضي أن يستكمل هذه المسائل وفقا ما نص عليه المشرع ( الرجوع إلى القواعد المكملة لإرادة المتعاقدين أو لطبيعة المعاملات أو للعرف أو العدالة ) . 

- يمكن للقاضي تعديل العقد في حالة وجود شرط جزائي وذلك بتخفيضه إذا كان مبالغ فيه ، كما يمكن تعديل الشروط التعسفية الواردة في العقد أو إعفاء الطرف المذعن منها . 

- للقاضي سلطة تعديل العقد في حالة وجود ظرف طارئ . 


الخلاصة 


مبدأ تأويل العقد عملية يقوم بها القاضي في حالات وجود غموض في عبارات العقد ، ويتم تأويل العقد من أجل استخلاص نية المتعاقدين ثم تكييف العقد لبيان طبيعته ونوعه . 
لا يجوز للقاضي نقض العقد أو تعديله إلا في حالة العدل والإنصاف ، وعادة ما يفسر العقد لصالح الطرف الضعيف خاصة في عقود الإذعان . 
- إن تعديل العقد وسيلة فعالة لحماية العقد من البطلان أو الفسخ . 

- القاضي يحاول الكشف عن الإرادة المشتركة للمتعاقدين عن طريق تأويل العقد وهذا هو الأصل ، وفي حالة عدم تمكنه من التفسير الصحيح للعقد يلجأ إستثناء إلى عملية تكملة العقد بالرجوع إلى قواعد القانون أو العرف أو  العدالة . 



Réactions :

تعليقات