مفهوم الحق وتمييزه عن باقي المصطلحات المشابهة له
سبق القول أن القانون عبارة عن مجموعة من القواعد التي تنظم علاقات الأفراد في المجتمع على وجه الالزام ، مصحوبة بجزاء عند مخالفتها .
تكمن العلاقات التي تربط بين الأفراد في مجموعة من الحقوق والواجبات التي تقع على بعضهما البعض ، ويتولى القانون تنظيم هذه الحقوق والواجبات على وجه معين ، وعليه سنتطرق إلى مفهوم الحق بوجه عام .
أولا : مفهوم الحق
لقد حاول الفقهاء تعريف الحق مما أدى إلى ظهور نظريتان وهما : نظريات تقليدية ونظرية حديثة ، وهما كالتالي :
أ ) النظريات التقليدية في تعريف الحق
تندرج تحت هذه النظرية ثلاثة مذاهب وتتمثل في
المذهب الشخصي
عرف الحق بالنظر إلى صاحبه ، فالحق قدرة إرادية .
مضمونه : يعتبر هذا المذاهب من أقدم المذاهب في تعريف الحق ، وقد ساد في أواخر القرن االثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر ، وحمل لواء فقهاء ألمانية ، وهم " سافيني Savigny " و" وندشايد Windcheid " و " جيرك Gierke "
يرى أنصار هذا المذهب أن جوهرأي حق من الحقوق يكمن في إرادة صاحب هذا الحق ، فيعرف الحق بأنه :" قدرة أو سلطة إرادية تثبت للشخص ، يستمدها من القانون ." ويجعل هذا المذهب من الحق صفة تلحق صاحبه ، لهذا سمي بالمذهب الشخصي .
فيعرف كذلك على أنه :" قدرة أو سلطة إرادية يخولها القانون للشخص تمكنه من القيام بعمل معين ."
يتضح من هذا التعريف أن للحق عنصرين :
- يتواجد الحق بوجود شخص ذو إرادة ، فالحق صفة تلحق بالشخص وتجعله قادرا على القيام بعمل معين ، والقانون لا يفرض حقا على إنسان لا يريده .
- تمتع الشخص بالحق في حدود ما بينه القانون .
وعليه فإن الإرادة المتفقة مع القانون تجعل الشخص صاحب الحق عند توافر إرادته .
يرى أنصار هذا المذهب أن جوهرأي حق من الحقوق يكمن في إرادة صاحب هذا الحق ، فيعرف الحق بأنه :" قدرة أو سلطة إرادية تثبت للشخص ، يستمدها من القانون ." ويجعل هذا المذهب من الحق صفة تلحق صاحبه ، لهذا سمي بالمذهب الشخصي .
فيعرف كذلك على أنه :" قدرة أو سلطة إرادية يخولها القانون للشخص تمكنه من القيام بعمل معين ."
يتضح من هذا التعريف أن للحق عنصرين :
- يتواجد الحق بوجود شخص ذو إرادة ، فالحق صفة تلحق بالشخص وتجعله قادرا على القيام بعمل معين ، والقانون لا يفرض حقا على إنسان لا يريده .
- تمتع الشخص بالحق في حدود ما بينه القانون .
وعليه فإن الإرادة المتفقة مع القانون تجعل الشخص صاحب الحق عند توافر إرادته .
إنتقاد المذهب الشخصي : إنتقد هذا المذهب من قبل أنصار المذهب الموضوعي ، وتتمثل هذه الانتقادات فيمايلي :
- لايمكن إرتباط صفة الحق بشخص ذو إرادة فقط لأنه يمكن إثبات صفة الحق لمن لا إرادة له ، كالمجنون ، الصبي ، غير المميز .
- إثبات صفة الحق دون تدخل الإرادة رغم وجودها ، كالحق في الميراث للوارث دون تدخل إرادته رغم وجودها .
- الحق في الحياة للشخص بمجرد ميلاده .
- الحق في طلب التعويض بسبب الضرر ، وغيرها من الحقوق التي تثبت للشخص بوجود أو بإنعدام الإرادة ، وعليه فإنه لا يمكن إرجاع صفة الحق إلى كل من يحمل إرادة دون سواه .
- إثبات صفة الحق دون تدخل الإرادة رغم وجودها ، كالحق في الميراث للوارث دون تدخل إرادته رغم وجودها .
- الحق في الحياة للشخص بمجرد ميلاده .
- الحق في طلب التعويض بسبب الضرر ، وغيرها من الحقوق التي تثبت للشخص بوجود أو بإنعدام الإرادة ، وعليه فإنه لا يمكن إرجاع صفة الحق إلى كل من يحمل إرادة دون سواه .
المذهب الموضوعي
حسبه فإن الحق مصلحة يحميها القانون .
مضمونه : يتزعم الفقيه الألماني "إهريج Ihering " هذا المذهب ، فيرجع الحق إلى موضوعه وغايته ، فالحق هو : " مصلحة يحميها القانون وقد تكون مصلحة مادية أو معنوية ." وعليه فإن الحق يشمل عنصرين :
- العنصر الموضوعي : ويتمثل في الغاية والمصلحة التي تعود على صاحب الحق ، فقد تكون مادية إذا كان الحق ماليا ، وقد تكون معنوية إذا كان الحق غير مالي .
- العنصر الشكلي : ويتمثل في الحماية القانونية اللازمة توفيرها لحماية حق الشخص ، وهي رفع الدعوى القضائية عند الضرورة .
إنتقاد المذهب الموضوعي
- لا يمكن إعتبار الحق مصلحة في حد ذاته ، وإنما الحق هو وسيلة يستعملها الشخص لتحقيق هدف ومصلحة معينة .
- الحماية القانونية تتواجد بتواجد الحق ، أي بعد نشوئه .
- تختلف المصلحة من شخص لاخر حسب نوع الحق ونوع الهدف .
المذهب المختلط
مضمونه : سعى هذا المذهب إلى التوفيق بين المذهب الشخصي والمذهب الموضوعي ، فنظر إلى الحق من كلتا الزاويتان ، فيعتبر الحق حسب أنصار هذا المذهب :" قدرة إرادية لشخص ، وبتالي مصلحة يسعى القانون لحمايتها . "
ولكن إختلفوا في تغليب أي من العنصرين على الأخر وذلك كمايلي :
ولكن إختلفوا في تغليب أي من العنصرين على الأخر وذلك كمايلي :
- تغليب عنصر الإرادة على عنصر المصلحة : فالحق هو :" إرادة الإنسان يعترف بها القانون ويحميها ." والحق هو : " سلطة وقدرة يمنحها القانون للإنسان من أجل غاية ومصلحة معينة ، يحميها القانون ."
- تغليب عنصر المصلحة على عنصر الإرادة : فالحق هو :" مصلحة لشخص أو مجموعة من الأشخاص يحميها القانون عن طريق الإعتراف لإرادة ما بالقدرة على تمثيل هذه المصلحة والدفاع عنها . " والحق " مصلحة مادية أو أدبية يحميها القانون بتخويل صاحبها سلطة القيام بالأعمال اللازمة لتحقيق هذه المصلحة ."
إنتقاد المذهب المختلط
- الحق ليس هو الإرادة ، لأنه يثبت حتى بإنعدامها .
- الحق ليس هو المصلحة لأن المصلحة هي غاية الحق وليس جوهره .
وعليه فإنه لا يمكن الجمع بين المذهبين .
ب ) النظرية الحديثة في تعريف الحق
وتتمثل في نظرية " دابان "
مضمونها : يترأس هذه النظرية الفقيه البلجيكي " جان دابان Jean Daban " الذي قام بتحليل فكرة الحق وإبراز العناصر المكونة له ، والمتمثلة :
- الحق سلطة يقرها القانون ، يلتزم الغير بإحترامه ، ويلتزم صاحب الحق بدفع الإعتداء عليه ، وبتالي وجوب تدخل السلطة العامة لحماية هذا الحق عند تواجده حقيقة ، ورفع الدعوى القضائية لرد الاعتداء عليه .
- قد يكون الشخص صاحب الحق شخصا طبيعيا أو معنويا ، فبتالي كلاهما يتحملان إلتزامات ويتمتعان بصلاحية إكتساب الحقوق ، فبمجرد وجود الشخص الطبيعي أو المعنوي يكتسب الشخصية القانونية ويتمتع بالحماية القانونية .
- يرد الحق على شيء مادي كالعقار ، أو شيء معنوي كالإنتاج الفكري ، أو يكون ملتصق بالشخص كالحق في سلامة جسمه .
- تكون لصاحب الحق سلطة الإستئثار والتسلط في حدود معينة ، وله الحق في استعمال واستغلال حقه كما يشاء وبتالي يلتزم الغير بعدم المساس بهذا الحق واحترامه ولا يمكن التسلط عليه إلا من صاحب الحق ، حتى وإن وجد مانع يحول دون مباشرته بسبب نقص التمييز أو إنعدامه .
والإستعمال يمكن أن يكون من طرف شخص أخر غير صاحب الحق .
إنتقاد نظرية دبان
على الرغم من أن الفقيه دبان تجنب الإنتقادات الموجهة للنظرية التقليدية إلا أنه لم يسلم من إنتقادات حيث أنه :
- إعتبر عنصر الإستئثار جزء من الحق ، غير أنه يمثل كل معنى الحق لأنه حق بحد ذاته .
- الحماية القانونية للحق تتواجد بعد تواجد الحق وبعد الإعتداء عليه ، فمادام الشخص يتمتع بحقه ولم يعارضه أحد فيه فإنه لا حاجة للحماية القانونية ، وفي حالة التعرض له إستوجب على صاحب الحق رفع الدعوى القضائية للمطالبة بالحماية القانونية .
- عرف دبان الحق بأنه :"ميزة " دون تحديد معنى اللفظ ، وعند إستقراء العبارات الواردة في التعريف من قبل بعض المنتقدين وصلوا إلى أن لفظ الميزة إما يقصد بها القدرة أو المصلحة ، فبتالي نجد أن الفقيه دبان تبنى إحدى النظريات السابقة دون قصد منه .
تعريف الحق وفقا لهذه النظرية : " الحق عبارة عن ميزة يمنحها القانون لشخص ما ويحميها بطريقة قانونية ويكون له بمقتضاها الحق في التصرف متسلطا على مال معترف له بصفته مالكا أو مستحقا له . "
من خلال ما تم التطرق إليه في كلتا النظريتان فإن الحق هو : " سلطة قانونية تمكن شخصا من القيام بعمل معين تحقيقا لمصلحة مشروعة له . "
ثانيا : تمييز الحق عما يقترب منه من مفاهيم قانونية
لرفع اللبس الذي يقع بين لفظ الحق وألفاظ أخرى سنقوم بتمييز الحق عن الكلمات الاخرى المشابهة له والتي تتمثل في : الحرية ، الرخصة ، السلطة ، الدعوى .
1) تمييز الحق عن الحرية
- الحق يضع صاحبه في مركز ممتاز عن غيره من الناس مما يخول له حق الإستعمال و الإستغلال ، كحقه في الملكية وحقه في مطالبة المين بالوفاء بدينه . أما الحرية فإنها تشمل جميع الناس على قدم المساواة ، كحرية العقيدة ، حرية الزواج ... وغيرها من الحريات التي يتمتع بها الإنسان . وعليه فإن الحق ميزة تخص شخص دون سواه ، أما الحرية فيتمتع بها جميع الناس بالتساوي .
- الحق يرد على محل محدد أو قابل للتحديد ، ففي حالة عدم تعيين الشيء أو كان غير قابل للتعيين فإن الحق لن ينشأ ، ولا يجوز للغير أن ينحرف عن الهدف المحدد لهذا الحق كالتعسف في إستعماله . أما الحرية فهي تتميز بعدم تحديد ووضوح محلها أو موضوعها ، فالشخص له السلطة في التصرف حسب ما يراه مناسبا وهو غير مطالب بإتباع سلوك معين ، فبتالي لا يمكن القول أن الشخص أساء إستعمال حريته ولكن يمكن القول أن الشخص أساء إستعمال حقه أو خرج عن حدوده .
- الحق الثابت لشخص من الأشخاص يقابله دائما إلتزاما ملقى على عاتق غيره . أما الحرية فلا يقابلها أي إلتزام على عاتق أي كان .
- الحق أضيق نطاق من الحرية كونه مخول للشخص من قبل القانون فبتالي يتميز بطابع إيجابي . أما الحرية لها نطاق واسع فلها وجهان إيجابي وسلبي حسب صاحبها .
- الحق ينشأ بمقتضى واقعة قانونية فلابد أن يستند إلى نص قانوني معين ، مثل : حق الملكية ، كي يصبح الشخص مالكا يجب أن تتحقق شروط الملكية كالحيازة أو بالإستناد إلى عقد أو ميراث أو وصية أو هيبة . أما الحرية فلا تستند إلى نص قانوني وإنما تستند إلى المبادئ العامة التي تتواجد في المجتمع ، مثل : حرية الزواج ، فالشخص له الحرية في الزواج بمن يريد وفي الزمان والمكان اللذين يراهما مناسبا .
- الحق يمكن التنازل عنه كالحق العيني وقد لايقبل النزول عنه كالحق في الحياة . أما الحرية فلا يمكن التنازل عنها لأنها لصيقة بالشخص .
2) تمييز الحق عن الرخصة
تعرف الرخصة على أنها إختيار بين بدائل محددة نتيجة سبب معين ، مثال : التملك بالشفعة : حسب المادة 794 من التقنين المدني الجزائري : تخول للشريك في حالة بيع شريكه لنصيبه في العقار الشائع أن يحل محله المشتري أو ترك المبيع للمشتري ، وعليه فإن الشخص الذي يملك الحق في عقار شائع يمكنه أن يشتري المبيع شريكه أو يتركه لشخص أخر خارج عن الشراكة ( المشتري ) .
فبتالي فإن الرخصة تجعل الشخص يختار بين أمرين و في هذا المثال يكون الشفيع صاحب حق الملكية على العقار المبيع في حالة حلوله محل المشتري .
3) تمييز الحق عن السلطة
- القانون يقرر لشخص سلطة تسيير شؤون غيره من أجل رعاية مصالح هذا الغير كسلطة الولي في إدارة شؤون القاصر .
فصاحب الحق يباشر حقه من أجل تحقيق مصلحته الخاصة ، بينما صاحب السلطة يباشر رعاية الغير من أجل مصالح هذا الغير .
- يمكن لصاحب الحق الإنتفاع بحقه أو النزول عنه ، بينما السلطة تكون واجبا على عاتق المكلف بها ، ولا يمكنه النزول عنها كعدم جواز نزول الأب عن سلطته في إدارة شؤون أولاده القصر .
4) تمييز الحق عن الدعوى
- تعرف الدعوى على أنها : وسيلة يلجأ الشخص إليها لتحريك القضاء من أجل الدفاع ورد الإعتداء على حقه ، وبدون هذه الدعوى يبقى القضاء ساكنا مهما يكون للمدعي من حق .
- وجود علاقة عضوية بين الحق والدعوى فالحق والدعوى شيء واحد ، إذ أن الدعوى وجدت لحماية الحق الموجود وإثباته لصاحبه .
- وجود علاقة تبعية بين الحق والدعوى ، فبوجود الحق تتواجد الدعوى لإثباته و تأكيده وحمايته .
- الدعوى حق قائم بذاته تخول لصاحبه القيام بأعمال قانونية معينة لتحقيق مصلحة ما يحميها القانون .
- يمكن أن يكون هناك حق بدون دعوى كالإلتزام الطبيعي ، فإن القانون لا يجبر الشخص على تنفيذه ، وكذا في حالة ما تجاوز مبلغ الدين 100،000 دج فإذا لم يتوفر دليل كتابي فإن الدائن لا يستطيع إثباته طبقا لنص المادة 333 فقرة 1 من القانون المدني الجزائري . ويمكن أن يكون هناك دعوى بدون حق كالدعوى لحماية الحيازة .
وتستقل الدعوى عن الحق في حين أن الحق مصدره تصرفا قانونيا أو واقعة مادية فإن مصدر الدعوى نزاع بسبب حق معين .
موقف المشرع الجزائري
يعتبر المشرع الجزائري الدعوى حقا مستقلا قائما بذاته ، بدليل إعتبارها مالا عقاريا إذا تعلقت بحق عيني على عقار ، وبإعتبارها مالا منقولا إذا تعلقت بحق عيني على منقول ، وذلك وفقا لطبيعة الحق المالي الذي تحميه .
وهذا ما نصت عليه المادة 684 من القانون المدني الجزائري : " يعتبر مالا عقاريا كل حق عيني يقع على عقار ، بما في ذلك حق الملكية ، وكذلك كل دعوى تتعلق بحق عيني على عقار . "
تعليقات
إرسال تعليق