نطاق تطبيق القاعدة القانونية من حيث الزمان

القائمة الرئيسية

الصفحات

نطاق تطبيق القاعدة القانونية من حيث الزمان

 نطاق تطبيق القاعدة القانونية من حيث الزمان 


يظل القانون ساري المفعول بعد نفاذه إلى يوم إلغائه .
- قد يتم إلغاء قاعدة قانونية بواسطة قاعدة قانونية أخرى تحل محلها ، وهنا تثير إشكالية تنازع القوانين في الزمان وصعوبة تحديد القاعدة الواجب تطبيقها ، فهل يتم تطبيق القاعدة الملغاة أم القاعدة التي حلت محلها .؟




تنازع القوانين من حيث الزمان


أولا : إلغاء القاعدة القانونية 


سنتعرف على معنى الإلغاء ( 1 ) وبعدها نبين السلطة التي لها حق إلغاء القاعدة القانونية ( 2 ) ثم نذكر أنواع الإلغاء ( 3 ) . 

1) مفهوم الإلغاء 

يقصد بإلغاء القانون " تجريد قواعده من قوتها الإلزامية ، بحيث يمنع العمل به من وقت صدور تاريخ الإلغاء ، وقد يكون هذا الإلغاء بإستبداله بقاعدة قانونية أخرى تحل محلها ، أو يكون بالإستغناء عنها نهائيا ."

وتجدر الإشارة إلى وجود فرق بين إلغاء القاعدة القانونية وبين إبطالها . 

- فالإلغاء يرد على قاعدة تشريعية صحيحة مستوفية لجميع الأركان فإلغائها يكون لعدم ضرورتها في المستقبل فقط ، لأن التشريع يواكب تطورات المجتمع . بينما الإبطال فإنه يكون عند وجود عيب في القاعدة القانونية فهو يؤدي إلى محو كل آثر للقانون بما في ذلك ما أنتجه في الماضي من آثر وما قد ينتجه مستقبلا .

2) السلطة التي تملك الإلغاء 

 الأصل أن السلطة التي تملك حق إلغاء قاعدة قانونية هي نفسها السلطة التي تملك حق إنشائها أو سلطة أعلى منها . 

حسب المادة 2 فقرة -2- من القانون المدني فإنه " لا يجوز إلغاء القانون إلا بقانون لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء ." 

حيث يتضح من خلال هذا النص أن القاعدة التشريعية تلغى بقاعدة تشريعية مثلها أو بقاعدة تشريعية أقوى منها في الدرجة طبقا لمبدأ تدرج التشريعات .

وعليه فإن : - التشريع  الأساسي يلغى بواسطة تشريع أساسي يحل محله .
               - يمكن إلغاء التشريع العادي أو العضوي بتشريع عادي أو عضوي ( نفس الدرجة ) أو بتشريع أساسي أعلى درجة منه .
               - يمكن إلغاء التشريع الفرعي أو اللوائح بواسطة التشريع الفرعي أو اللوائح ( نفس الدرجة ) ، أو بواسطة التشريع الأساسي أو التشريع العادي ( أعلى درجة منه ) .
               - يمكن للقاعدة التشريعية أن تلغي قاعدة عرفية .

وعليه فإنه لا يمكن للمصدر الأدنى أن يلغي المصدر الأعلى منه .

3) أنواع الإلغاء 

نصت المادة 2 فقرة -2 و3- من القانون المدني الجزائري على أنه :" لا يجوز إلغاء القانون الا بقانون لاحق ينص صراحة على هذا الإلغاء .

وقد يكون الإلغاء ضمنيا إذا تضمن القانون الجديد نصا يتعارض مع نص القانون القديم أو نظم من جديد موضوعا سبق أن قرر قواعده ذلك القانون القديم ."

من خلال  هذا النص نجد أن للإلغاء نوعان : الإلغاء الصريح ( الفقرة الثانية ) و الإلغاء الضمني ( الفقرة الثالثة ) .

أ) الإلغاء الصريح 

يتم الإلغاء الصريح للقاعدة القانونية بنشوء قاعدة قانونية جديدة تقرر صراحة إلغاء القاعدة القانونية السابقة ، وهذا هو الأسلوب السائد في معظم الأحيان ، غير أنه يمكن صدور تشريع مؤقتا بحيث يتم العمل به خلال مدة زمنية معينة كفترة الحرب . وبمجرد إنقضاء سبب صدوره يتم تجريد هذا التشريع من قوته الإلزامية دون الحاجة إلى نص  جديد يلغيه .

ب) الإلغاء الضمني 

 هذا النوع يستخلص من موقف المشرع ومن ظروف الحال ، وحسب المادة 2 فقرة 3 السابقة الذكر فإن هذا الإلغاء يتخذ صورتين :

 الصورة الأولى : التعارض بين القانون الجديد و القانون القديم 

- إذا إستحالة الجمع بين القاعدة الجديدة و القاعدة القديمة اعتبرت هذه الأخيرة ملغاة ضمنيا بالقاعدة الجديدة . وهذا في حالة التعارض  الكلي بين القاعدتين بحيث يستحيل التوفيق بين أحكامهما أما إذا كان التعارض جزئي بين القاعدتين فإنه يتم الغاء الشق القديم الذي يتعارض مع الشق الجديد .

ويلاحظ أن التعارض بين القاعدتين يجب أن يكون من نفس الحكم ، أي يجب أن يكون التعارض بين حكم عام وحكم عام آخر ، وبين حكم خاص وحكم خاص أخر ، لنكون أمام قاعدة " الجديد يلغي القديم ." ولكن غالبا مالا يكون التعارض من حكم واحد فيكون الوضع حينئذ أمام حالتين :

الحالة الأولى : التعارض بين  حكم جديد خاص وحكم قديم عام 

إذا كان التشريع الجديد ينظم حكما خاص معارض لتشريع القديم في حكمه العام ،فإنه يلغى فقط هذا الأخير ، ويبقى التشريع القديم قائما ، فيكون النص الجديد بمثابة إستثناء عليه يحد من عموميته ، فينقطع بعض ما يندرج تحته ويجري عليه حكم قاعدة مغايرة .

الحالة الثانية : التعارض بين حكم جديد عام وحكم قديم خاص 

في هذه الحالة لا يؤدي التعارض بين النص إلى إلغاء الحكم القديم الخاص ، لأن الحكم الخاص لا يلغى ضمنيا إلا بحكم خاص مثله متعارض معه ، وإنما يعمل بكلا النصين معا ، فيكون الحكم الحديث العام هو الأصل ، ويكون الحكم القديم الخاص إستثناء .

الصورة الثانية : إعادة تنظيم الموضوع من جديد 

- إذا أكد المشرع تنظيم موضوع سبق وأن نظمه التشريع القديم ، فإن موضوع هذا الأخير يلغى ضمنيا إلغاء كليا ، لأن إعادة تنظيم الموضوع نفسه يبين نية المشرع في العدول عن التشريع السابق بأكمله ، حتى وإن كانت قواعد التشريع القديم لا تتعارض مع قواعد التشريع الجديد .
وبهذا تختلف الصورة الثانية عن الصورة الأولى التي تقتصر فقط على إلغاء ما يعارض القواعد الجديدة .

ثانيا : تنازع القوانين من حيث الزمان 


لحسم النزاع بين القانون الجديد والقانون القديم يجب التعرف على مبدأ عدم رجعية القانون الجديد ، ومبدأ الأثر المباشر أو الفوري لقانون الجديد .

1) مبدأ عدم رجعية القانون الجديد 

مفهومه : " يقصد بهذا المبدأ عدم سريان أحكامه على الماضي سواء بالنسبة للوقائع التي تكون قد حدثت أو المراكز القانونية التي تكون قد تكونت في ظل أحكام القانون السابق أو بالنسبة للآثار التي ترتبت على تلك الوقائع أو المراكز في ظل هذا الأخير ."

 فالقانون القديم يحتفظ بسلطانه ، ولا يجوز للقانون الجديد أن يزاحمه في ذلك ، وهذا ما يعبر عنه بعدم رجعية القانون إلى الماضي .

 الإستثناءات التي ترد على مبدأ عدم رجعية القانون الجديد 

الأصل هو عدم رجعية التشريع الجديد أي عدم مساسه بالحق المكتسب في ظل التشريع القديم ، لكن هناك إستثناءات أين يجيز تطبيق التشريع الجديد على الماضي ولو كام هذا التطبيق يمس بالجقوق المكتسبة .

أ) النص الصريح على الرجعية : إن القاضي مقيد بحيث لا يجوز له تطبيق التشريع الجديد على المعاملات الماضية إلا إذا تضمن هذا التشريع نصا صريحا يجيز له ذلك ، والمشرع غير مقيد لأنه هو من يضع التشريعات ، فيجيز له تقرير سريان أحكام التشريع الجديد على الماضي وذلك بنص صريح وواضح لتحقيق الصالح العام ، بحيث تصبح الرجعية حينئذ ضرورة تفوق ضرورة استقرار المعاملات .

- ويكون المشرع مقيد بمبدأعدم رجعية التشريع في مجال التشريعات الجنائية .

ب) التشريعات الجنائية الأصلح للمتهم : الأصل عدم رجعية التشريعات الجديدة ، وذلك لمبدأ حماية حقوق الأفراد وكفالة حرياتهم بحيث لا يجوز أن يصدر تشريع يقرر عقوبات على أفعال كانت مباحة في تاريخ ارتكابها ، وإلا كان ذلك إنحرافا بهذا المبدأ يوجه ضد الأفراد الذين وجد من أجل حمايتهم ، ولكن إستثناء تطبق التشريعات الجنائية على الماضي إذا كانت أصلح للمتهم .

مثـــال : إذا كان التشريع القديم يعاقب على فعل ، والتشريع الجديد يباح الفعل فإنه يطبق التشريع الجديد والعكس صحيح ، بمعنى يطبق القانون الأصلح للمتهم ، كما يمكن أن يقضي التشريع الجديد تخفيف العقوبة المقررة للجريمة .

الفرق بين حالة تخفيف العقوبة وحالة إباحة الفعل 

 حالة تخفيف العقوبة : لكي يستفيد المتهم من تخفيف العقوبة الواردة في القانون الجديد يجب أن يكون هذا القانون قد صدر قبل إصدار الحكم النهائي على المتهم . أما إذا صدر القانون بعد الحكم النهائي على المتهم فلا مجال لتطبيقه ولا يستفيد منه المتهم إحتراما لحجية الأمر المقضي .

 حالة إباحة الفعل : إذا صدر التشريع الجديد نص يقضي بإباحة فعل ما كان مجرما في ظل التشريع القديم ، استفاد المتهم منه ، فيسري عليه بأثر رجعي .
فإذا صدر التشريع الجديد بعد صدور الحكم النهائي على المتهم فإن المحكمة توقف الحكم وتنتهي آثاره الجنائية ، لأن هذا لا يتعارض مع حجية الأمر المقضي ، كما أنه ليس من العدل الإستمرار في تنفيذ العقوبة على المتهم مادام الفعل الذي سبب له الجزاء صار مباحا في المجتمع .

وإذا صدر التشريع الجديد قبل صدور الحكم النهائي على المتهم حكمت المحكمة ببرائته لأن الفعل أصبح مباحا .

ج) التشريعات المتعلقة بالنظام  العام و الآداب العامة : إذا اكتسب الشخص حقا في ظل التشريع القديم ، ثم أصدر نصا في التشريع الجديد يقرر مخالفة هذا الجق لنظام العام و الآداب العامة فإن هذا الحق يزول لأن قواعد النظام العام قواعد آمرة لا يجوز مخالفتها . فيسري النشريع الجديد بآثر رجعي .

د) التشريعات التفسيرية : قد تتواجد بعض التفسيرات المختلفة في التشريع، فيصدر تشريعا جديدا لتفسير التشريع القديم وجعله أكثر وضوحا وأسهل تطبيقا ، فحينئذ يأخذ القاضي بالتشريع الجديد على الوقائع التي حدثت في ظل التشريع القديم .
ويلاحظ أن التشريع التفسيري لا يكون له أثر رجعي إلا على القضايا التي لم يفصل فيها بعد بالحكم النهائي .

2) مبدأ الآثر المباشر أو الفوري للقانون الجديد 

مفهومه : يقصد بمبدأ الآثر الفوري أو المباشر  للقانون الجديد " إنطباقه على آثار كل الوقائع و التصرفات التي تنشأ في ظله وكذا إنطباقه على كل وقائع أو مراكز أنشئت في ظل التشريع القديم ن وبهذا يتوقف العمل بالتشريع القديم لمنع إزدواجية القانون المطبق في الدولة ." ويقضي هذا المبدأ إلى تحقيق وحدة القانون المطبق على المراكز القانونية المتماثلة . وهذا أساس هذا المبدأ .

إن تعديل أو إلغاء المشرع القانون القديم هو إقرار منه أن هذا القانون لم يعود يواكب تطورات المجتمع ، ومن ثم يكون القانون الجديد أصلح للتطبيق الفوري على كل المراكز القانونية التي تنشأ بعد نفاذه ، وعلى الأثار المترتبة على المراكز القانونية التي تكونت قبل نفاذه ، لأن إستمرارهذه المراكز خاضعة إلى مالا نهاية لحكم التشريع القديم الذي يؤدي إلى إستحالة إدخال أي إصلاح إجتماعي .

 الإستثناءات الواردة على مبدأ الأثر المباشر أو الفوري للقانون الجديد 

يمتد التشريع القديم في سريانه رغم إلغائه في 
- حالة إبرام العقد بين المتعاقدين طبقا لمبدأ سلطان الإرادة ، فلا يخضع هذا العقد لتشريع الجديد بما له من آثر مباشر.
- كما أنه عند إبرام العقد يكون المتعاقدين ملتزمان على حسب التشريع القديم ، فإذا سرى عليهما تشريع أخر فإن هذا يؤدي إلى إخلال بتوازن أساس العقد والذي كان هو وحده موضع إعتبار لدى المتعاقدين عند إبرامهما للعقد .

Réactions :

تعليقات