نظرية التعسف في إستعمال الحق

القائمة الرئيسية

الصفحات

نظرية التعسف في إستعمال الحق

نظرية التعسف في إستعمال الحق 


تعتبر نظرية التعسف في استعمال الحق من أهم النظريات في القانون على الإطلاق وأكثرها تعقيدا وجدلا . 

يسعى القانون إلى حماية حقوق الأفراد مهما تنوعت وذلك بتكريس مجموعة من القواعد القانونية التي تبين لكل واحد حدود حقه ، وبتالي  وضع حد للأنانية المفرطة التي تلازم الشخص عند استعماله لحقه . 




الإضرار بالغير في حالة التعسف في إستعمال الحق



أولا : تعريف نظرية التعسف في استعمال الحق 


التعسف لغة : هو أخذ الشيء بالقوة . يقال : عسف السلطان على الأراضي الزراعية أي أخذها بالقوة وبالظلم . 

التعسف شرعا : " مناقضة قصد االشارع في تصرف مأذون فيه شرعا بحسب الأصل . " ومناقضة قصد الشارع تعني قصد المكلف (وهو صاحب الحق) في إلحاق الضرر بالغير ، وهذا يتنافى مع ما ورد في الشريعة . مثال : تحليل ماحرمه الله ، التحايل على مقدار الزكاة ...

التعسف قانونا : استعمال صاحب الحق حقه بغرض الإضرار بالغير أو من أجل الحصول على منفعة غير مشروعة . 


ثانيا : تطور نظرية التعسف في استعمال الحق 


تعتبر نظرية التعسف في استعمال الحق نظرية قديمة ، إذ عرفها القانون الروماني أولا ثم نقلها المشرع الفرنسي القديم ، بعدها تداولها تشريع نابليون ، لتستقر فيما بعد في مختلف التشريعات الحديثة . 


 نظرية التعسف في استعمال الحق حسب القانون الروماني 

حسب هذا القانون فإن التعسف في استعمال الحق هو " سوء نية صاحب الحق في استعمال حقه ، إذ يسعى إلى إضرار بالغير " وهذا ما تضمنته مدونة " جستنيان " إذ تم النص على أنه " من حفرفي ملكه بئرا وجذب الماء من جاره بغية الاضرار به فهو مسؤول عن هذا الضرر . " 

 نظرية التعسف في استعمال الحق حسب القانون الفرنسي القديم 

لم يعرف هذا القانون نظرية التعسف في استعمال الحق وإنما إكتفى بذكر ما تم ذكره سابقا في القانون الروماني ، فالتعسف يعد ضرر يلحق الغير متى استعمال صاحب الحق حقه دون مراعة المصلحة الجدية في ذلك . 

 نظرية التعسف في استعمال الحق حسب القانون الفرنسي الحديث 

حسب تشريع نابليون الفرنسي سنة 1804 فإن القانون الفرنسي الحديث لم يتبنى هذه النظرية لأنه متشبع بالنزعة الفردية ، فالفرد له كامل الحرية في التصرف في حقه و الاستمتاع به والقانون ماهو إلا وسيلة لحماية هذا الحق ، فالفرد لايسأل إذا لحق ضرر بالغير ما دام لم يتجاوز حدوده ، 

وفيما بعد وبإصرار القضاء الفرنسي ومع مساوئ النزعة الفردية تبنى المشرع الفرنسي نظرية التعسف في استعمال الحق ويظهر ذلك من خلال تطبيقات تشريعية مختلفة . 

 نظرية التعسف في استعمال الحق حسب التشريعات الحديثة 

لقد تبنيت التشريعات الحديثة هذه النظرية وجعلتها نظرية عامة واختلفت من حيث نطاق تطبيقها ، فهناك من اقتصر هذا التعسف على حالة حدوث الأضرار فقط كالقانون المدني الألماني المادة 226 ، وهناك من شملت الحالات الأخرى كالقانون المدني السويسري المادة 02 . 

 نظرية التعسف في استعمال الحق حسب الشريعة الإسلامية 

مع اختلاف نظرة فقهاء الشريعة الاسلامية ، فإنه تم الأخذ بهذه النظرية والإقرار بها ، كما منح لها أوسع نطاق وتصور ممكن ، إذ جعلها نظرية عامة تشمل جميع الحقوق وتقوم على أساس إلحاق الضرر بالغير ، قلة المصلحة ، الضرر العام ....


ثالثا : مجال نظرية التعسف في إستعمال الحق 

ظهرت ثلاثة إتجاهات مختلفة وهي : 

الإتجاه الأول :  التعسف يرد على استعمال الرخص القانونية فقط 


حسب هذا الإتجاه فإن التعسف يقتصر فقط في حالة استعمال الرخص دون استعمال الحق ، إذ تقع المسؤولية على كل الأفعال الضارة الناتجة عن استعمال الرخص العامة ، أما عن إستعمال الحق فلا تقوم أية مسؤولية مهم حدث من ضرر للغير حتى وإن كان عن قصد ، فإسعاد الفرد هو العامل الأساسي  ومن أولوية القانون . 


الإتجاه الثاني : التعسف يرد على استعمال الحقوق بالمعنى الدقيق فقط 


حسب هذا الاتجاه فإن نظرية التعسف في استعمال الحق تقتصر فقط على إستعمال الحقوق بالمعنى الدقيق ولا يشمل التعسف إستعمال الرخص والحريات ، فتقوم المسؤولية المدنية على كل الأفعال الضارة متى كان الفرد بصدد إستعمال حقه . 

( هذا الإتجاه عكس الإتجاه الأول ) 


الإتجاه الثالث : التعسف يرد على إستعمال الحقوق والحريات والرخص 


حسب هذا الاتجاه فإنه جمع بين الإتجاهين السابقين ، ووسع من مجال تطبيق نظرية التعسف في استعمال الحق . 

فالمشرع سمح للفرد بإستعمال حقوقه وحرياته والرخص الممنوحة له في حدود الغرض المعدة لها بدون تعسف  . 

ويتطابق هذا التعميم مع مبادئ الشريعة الإسلامية التي تدعو إلى الإحسان وعدم الإضرار بالغير . 

وعليه فإن معظم الفقهاء الحديث والتشريعات المعاصرة يطبقون أحكام  هذه النظرية على جميع الحقوق سواء كانت رخص أو حريات أو الحقوق بالمعنى الدقيق . 


رابعا : موقف المشرع الجزائري من نظرية التعسف في استعمال الحق 


كباقي التشريعات الحديثة فإن المشرع الجزائري تبنى هذه النظرية ، ويظهر ذلك من خلال إدراج هذه النظرية ضمن أحكام المسؤولية التقصيرية  في المادة 124 مكرر من القانون المدني الجزائري .

إذ تنص : " يشكل الاستعمال التعسفي للحق خطأ لاسيما في الحالات الأتية :

- إذا وقع بقصد الإضرار بالغير ،

- إذا كان يرمي للحصول على فائدة قليلة بالنسبة إلى الضرر الناشئ للغير ،

- إذا كان الغرض منه الحصول على فائدة غير مشروعة . " 

باستقراء هذه المادة نلاحظ أن المشرع حدد ثلاثة معايير من شأنها الإضرار بالغير وهي : 


1 ) المطالبة بالحق بهدف الإضرار بالغير 

يمنع في هذه الحالة صاحب الحق من المطالبة بحقه في حالة ما كان سوء النية ، فإذا اتجهت نيته إلى إحداث ضرر للغير يكون معسفا في استعمال حقه ، وسوء النية يستنبطها قاضي الموضوع من خلال القرائن كعدم وجود أية مصلحة عند المطالبة بالحق . 


2 ) المطالبة بالحق للحصول على فائدة أقل بالنسبة إلى الضرر الناشئ للغير 

يظهر التعسف في استعمال الحق عند لجوء صاحب هذا الحق إلى المطالبة به بالرغم من معرفته أن الضرر الذي يلحق الغير أكبر بكثير من المنفعة التي يتحصل عليها . 


3 ) المطالبة بالحق من أجل الحصول على فائدة غير مشروعة 

يمنع صاحب الحق من المطالبة بحقه في حالة ما إذا كان يسعى للحصول على فائدة مخالفة للنظام العام و الأداب العامة .


خامسا : الجزاء المترتب عن التعسف في استعمال الحق 


يستند جزاء التعسف في استعمال الحق على عنصر التعويض عن الأضرار التي تلحق الغير ، والتعويض قد يكون مبلغ من النقود ويسمى تعويض نقدي ، وقد يكون عن طريق إعادة الحالة إلى ماكانت عليه قبل حدوث الضرر إن كان ذلك ممكنا أو تقديم شيء أخر غير النقود ويسمى بالتعويض العيني


Réactions :

تعليقات